الثلاثاء، 25 أكتوبر 2011

دولة تحتضر

عرس الدم

  بقلم   على السيد    ٢٥/ ١٠/ ٢٠١١
شقيقان ذهبا إلى سوق القرية، وأمام أعين الجميع، وتحت تهديد السلاح أمسكا بشاب ووالدته، ثم قاما بجرجرتهما وبربطهما فى عمود إنارة عند مدخل القرية، وأطلقا سيلاً من الرصاص على الشاب حتى لفظ أنفاسه، ثم قاما بقص شعر الأم وتجريدها من ملابسها، ولم يكتفيا بذلك، بل وضعا المرأة، التى رأت بعينيها الرصاص يمزق جسد ابنها، فوق سيارة نصف نقل، وظلا يطوفان بها داخل القرية، وهى عارية تماما، لكن هذا لم يشف غليلهما، فذهبا إلى القرى المجاورة، والمرأة تتدلى عارية فوق سطح السيارة، لا النخوة ظهرت، ولا الشهامة تحركت، ولا الشرطة حضرت، ولا الفضائيات نصبت سرادق الردح الليلى، ولا الصحافة غضبت، ليس لأن الفضائيات والصحف اكتفت من كل هذا الوطن بقصة «سور حديقة» علا، لأن البيت المجاور تطاول فى البنيان، فتشاجر الجيران، واقتحم فريق منهم بيت الجار ووقع الاشتباك، لكن لأن كثيراً من الفضائيات والصحف تدمن صنع جرائمها بنفسها، إذ تختار الجريمة وتقرر رسم التهم وتوزيع الأحكام النهائية وفقا للمزاج.
فى مثل هذه الحالات لا أحد يهتم بتمزيق القيم وإعدام القانون ونشر الفوضى وترسيخ مبدأ القوة غير المنظمة، والتى لا يردعها قانون أو دين، ولا بأس من تحويل متهم لبطل صنديد أو برىء لمجرم عربيد. أما حين تكون هناك جريمة كاملة تقوض كل قيم المجتمع وترسخ للفوضى العارمة والعنف المبالغ فيه يلوذ الجميع بالصمت، وكأن الشمع على حناجرهم والسلاسل فى أقلامهم.
جريمة قتل شاب وتجريس أمه وقعت فى قرية تابعة لمركز ببا ببنى سويف، وأمام أعين كل أهل القرية والقرى المجاورة، لا جاءت الفضائيات، ولا تصدرت الجريمة البشعة والمخزية والغريبة صفحات الصحف، ولا تحركت الشرطة إلا بعد التأكد التام أن الجانيين هربا، كما جاء فى «بوابة الأهرام» على لسان أحد الشهود: «قيادات مركز شرطة ببا برئاسة الرائد محمد الخولى، رئيس المباحث، لم تنتقل إلى القرية إلا بعد التأكد من انتهاء هذين الشقيقين من جريمتهما وفرارهما تاركين المرأة المسنة فاقدة الوعى».
ورغم أن الشابين من مركز أهناسيا، أى أنهما ليسا من القرية، فإن أحدا لم يهب لنجدة الأم وابنها الذى يتهمه القاتلان بأنه وراء مقتل شقيق لهما، بل لم ينطق أحد بكلمة «عيب» حين رأى امرأة مسنة منزوعة الملابس ويطوف بها القاتلان شوارع ودروب القرى. هذه جريمة مروعة ومدمرة وتحتاج إلى دراسة وتحليل لنفهم ماذا يجرى، لأن أهل الصعيد لا يفعلون هذا بامرأة حتى لو كانت «قاتلة»، ولا يثأرون من الضعفاء أو النساء، ولا يقتلون من كُبل بالأغلال . فهل دفنت القيم وحل «الثأر بأى ثمن» وساد الحقد وملأت الكراهية قلوب الناس، وبات التشفى لغة التعامل.
والأخطر: هل ماتت الدولة لكى تصمت على جريمة كبرى، ثم تستيقظ فى النزع الأخير على «شجار جيران» اختلط فيه المُعتدى، والمعتدى عليه، وتراصت التهم، مع أن معرفة الحقيقة تكمن فى سؤال واحد: من بدأ بالاعتداء؟ ومن دافع عن نفسه؟.. إذا عرفت الإجابة وهى، بكل تأكيد سهلة، سنعرف لمن نوجه أصابع الاتهام حتى لا نغرق فى عرس الدم، أو نضيع فى بحر الفوضى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق